الصراع الإيراني الإسرائيلي- قواعد جديدة وحافة الهاوية في حقبة ما بعد 7 أكتوبر

المؤلف: محمود علوش11.05.2025
الصراع الإيراني الإسرائيلي- قواعد جديدة وحافة الهاوية في حقبة ما بعد 7 أكتوبر

في ليلة الرابع عشر من أبريل/نيسان، شنت إيران هجومًا واسع النطاق على إسرائيل، وذلك كرد فعل انتقامي على الهجوم الذي استهدف قنصليتها في العاصمة السورية دمشق في مطلع الشهر نفسه، وهو الهجوم الذي لم تعترف إسرائيل بمسؤوليتها عنه بشكل قاطع. هذا الهجوم يعتبر الأول من نوعه الذي تشنه إيران مباشرة من أراضيها على إسرائيل، مما يمثل خروجًا عن نمط "حرب الظل" المستمرة بين البلدين ودخولًا إلى المواجهة العلنية.

تكمن الأهمية البالغة لهذا التحول الجذري في رمزيته العميقة، والتي تفوق بكثير النتائج المادية التي قد تترتب على هذا الهجوم. ففي الماضي، اعتمدت إيران على أسلوب قتال إسرائيل والولايات المتحدة عبر شبكة واسعة من وكلائها المنتشرين في المنطقة، وذلك لما يحققه هذا الأسلوب من مكاسب كبيرة بتكاليف أقل. ومع هذا التغيير الجوهري في طبيعة الصراع، تأمل إسرائيل في أن ترتفع تكاليف هذا الصراع على طهران بشكل ملحوظ.

تتبنى الاستراتيجية الإيرانية أربع أولويات راسخة، والتي من المرجح أن تتعزز بعد هذا الهجوم. أولًا، تعتبر إيران الانخراط المباشر في الحرب من بين أسوأ الخيارات وأكثرها خطورة. ثانيًا، ترى إيران أن التسليم بنقاط الضعف الاستراتيجية لـ "الصبر" أقل تكلفة من محاولة معالجتها برد فعل عنيف قد يؤدي إلى تكاليف باهظة. ثالثًا، ستواصل إيران الاعتماد بشكل أساسي على شبكة وكلائها، لما تحققه من فوائد كبيرة بتكاليف مباشرة أقل. ورابعًا، تعتمد المكاسب التي يمكن أن تحققها إيران من تداعيات حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول على قدرتها على تحقيق الأولويات الثلاث المذكورة.

على الرغم من أن إيران صممت هجومها على إسرائيل لتحقيق التوازن بين معاقبتها على استهداف قنصليتها، واستعراض قوتها الذاتية والإقليمية، وتجنب الرد الذي قد يؤدي إلى حرب مباشرة، إلا أن الصراع الإسرائيلي الإيراني قد وصل الآن إلى مرحلة خطيرة من اللعب على حافة الهاوية. وإذا كان هناك استنتاج واضح يمكن الخروج به من هذا التحول، فهو أن القواعد الصارمة التي كانت تحكم الصراع في السابق وتمنع انفجاره، قد أصبحت أقل أهمية في الحسابات الإيرانية والإسرائيلية.

من الواضح أن هذا المنحى الخطر الذي اتخذه الصراع منذ الهجوم على القنصلية الإيرانية، يستمد قوته من عاملين أساسيين: أولهما، البيئة الأمنية الإقليمية المتأزمة التي خلفتها حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول بين إسرائيل وحركة حماس. وثانيهما، تعامل كل من إسرائيل وإيران مع حقبة ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، على أنها معركة لإعادة تشكيل قواعد الردع المتبادل بينهما.

ستظل التكاليف الباهظة التي قد تترتب على حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، بمثابة رادع قوي للطرفين لتجنبها. إلا أن الرغبة المتبادلة في تجنب هذا السيناريو تصبح أقل قيمة في إدارة الصراع، عندما يفقد الطرفان قدرتهما على تشكيل الفعل وردة الفعل بطريقة دقيقة ومحسوبة، وعندما ترتكب الأخطاء القاتلة.

الحرب لا تستأذن أطرافها قبل أن تفرض نفسها كواقع. وبغض النظر عن الطريقة التي ستتعامل بها إسرائيل مع الهجوم الإيراني، فإن العوامل الأساسية التي مكنت كلاً من طهران وتل أبيب في السابق من الحفاظ على وتيرة مستقرة في الصراع ومنع انزلاقه إلى نقطة الانفجار الكبير، لم تعد قائمة في حقبة ما بعد حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

فمن جانب، تخلت إسرائيل عن المحظورات السابقة في تصعيد معركتها ضد الوجود الإيراني في سوريا، من خلال استهداف منشأة دبلوماسية إيرانية في الخارج للمرة الأولى، وقبلها اغتيال قادة كبار في الحرس الثوري الإيراني على الأراضي السورية. ومن جانب آخر، فإن استراتيجية "الصبر" التي تنتهجها إيران منذ حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، قد كشفت عن نقاط ضعف طهران في هذا الصراع. كما أن التأثير الأميركي، الذي كان له في السابق الدور الأكبر في الحفاظ على وتيرة مستقرة من صراع الظل الإسرائيلي الإيراني، لم يعد يعمل الآن كضابط إيقاع قوي له.

في الوقت الذي تفقد فيه واشنطن المزيد من نفوذها على تل أبيب لإعادة تشكيل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتركز إدارة الرئيس جو بايدن جهودها على الحد من آثار حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول على الوجود الأميركي في الشرق الأوسط وعلى فرص بايدن في الفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية، ينظر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه مأزقًا كبيرًا في حرب غزة وتحديًا آخر يتمثل في تصاعد تهديد حزب الله اللبناني على الحدود الشمالية، إلى تصعيد المواجهة مع إيران على أنه مخرج محتمل لإطالة فترة بقائه في السلطة، وإجبار الولايات المتحدة على إعادة تأكيد التزامها بأمن إسرائيل.

الحقيقة الواضحة التي يجب على واشنطن التعامل معها بعد هجوم الثاني من أبريل/نيسان على دمشق، هي أن قدرة إيران وإسرائيل على ضبط الفعل وردة الفعل لم تعد عاملاً جذابًا لكلا الطرفين.

إن الحقبة الجديدة من الصراع الإسرائيلي الإيراني تستمد قوتها من تصور مشترك بأن حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول ستعيد تشكيل الشرق الأوسط على نطاق واسع، وأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة أو راغبة في مواصلة لعب دور القوة العالمية المهيمنة في الجغرافيا السياسية الإقليمية.

ومع ذلك، فمن غير المتصور أن تتخلى الولايات المتحدة عن حليفتها إسرائيل في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الدولة العبرية، حتى في الوقت الذي تظهر فيه واشنطن بشكل متزايد استياءها من سلوك نتنياهو في الحرب.

هذا التصور يعمل كمحفز قوي لنتنياهو لنشر حرب غزة في الشرق الأوسط، لاعتقاده بأن دفع إيران إلى تعميق انخراطها في حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول سيترك خيارات محدودة أمام واشنطن، وسيُجبرها على التفكير مليًا في مخاطر التراجع في الشرق الأوسط.

حقيقة أن حربًا إسرائيلية على حزب الله في لبنان تلوح في الأفق، تعطي لمحة واضحة عن التداعيات الهائلة لخروج الصراع الإسرائيلي الإيراني عن السيطرة على الأمن والاستقرار الإقليمي.

إن المسارات المتبقية لتجنيب منطقة الشرق الأوسط مثل هذا السيناريو الكارثي، تمر أولاً بقدرة كل من طهران وتل أبيب على فرض قواعد ردع جديدة متبادلة دون الانجرار إلى حرب مباشرة. وثانيًا، في الدور الذي لا يزال بمقدور الولايات المتحدة أن تلعبه لتجنب انتشار أوسع نطاقًا وأكثر خطورة لحرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول في الشرق الأوسط. وثالثًا، في الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس، يؤدي إلى وقف طويل الأمد للحرب على غزة.

ومع ذلك، فإن النهج المتهور الذي تتبعه إدارة نتنياهو في إدارة حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول وتداعياتها الإقليمية، وانكشاف نقاط الضعف في استراتيجية "الصبر" الإيرانية، والتقييمات الأميركية الخاطئة للحرب منذ البداية، تزيد من صعوبة هذه المسارات الثلاثة. وفي ضوء ذلك، يجب على الشرق الأوسط الاستعداد للتعامل مع صراع لم يعد بالإمكان التنبؤ بمساراته وحدوده وخطوطه الحمراء.

لقد أظهرت حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول مدى هشاشة الأمن الإقليمي. وأي تصعيد محتمل في صراع الظل الإيراني الإسرائيلي، سيؤدي إلى انهيار ما تبقى من مفهوم الأمن الإقليمي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة